إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سبايا كربلاء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سبايا كربلاء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليك يا ابا عبدالله الحسين

    الصديقة الصغرى زينب الكبرى عليها السلام

    يا ويحهم خانوا النبي وآله**كم من جنايات لهم وجرائم
    عمدوا لهدم الدين بغضاً منهم**للمصطفى ولحيدر ولفاطم
    كم من دم سفكوا وكم من حرمة**هتكوا، كذي حنق ونقمة ناقم
    وبنات وحي الله تسبى بينهم**من ظالم تهدى لالعن ظالم
    والهفتاه لزينب مسبية**بين العدى تبكي بدمع ساجم
    وترى اليتامى والمتون تسودت**بسياطهم الماً، ولا من راحم!
    فاذا بكت ضربت، وتشتم ان شكت**من ضارب تشكو الهوان وشاتم


    مضت تلك الساعات العصيبة، والوقائع الرهيبة، من نكبة عاشوراء، بمراراتها وغصصها التي لا توصف ولا تتصور، لتبدأ قصة السبي الاليمة بفصولها المريرة، بما لم يحدث في الاسلام، اذ سبي حريم الرسالة، وبنات النبوة، ونساء الاسلام الطاهرات، اولادهن وازواجهن، واخوانهن وذويهن من الركب الحسيني الشهيد، فرحلت قافلة الاسر وسيدها الامام علي بن الحسين زين العابدين وسيدتها العقيلة المكرمة زينب الكبرى بنت الامام علي امير المؤمنين وقد ضمت تلك القافلة المجللة بالبهاء الرسالي جمعاً من النساء الارامل والاطفال اليتامى من آل البيت النبوي ومن بيوتات الاصحاب والاسر الكريمة المخلصة لاهل بيت الوحي، والكل في رعاية الام العطوف والعمة الرؤوف العقيلة زينب، وما ادرانا من هي زينب صلوات ربنا عليها.

    في العام السادس الهجري ولدت العقيلة الطاهرة زينب في بيت النبوة والامامة والقرآن، فعاشت اكثر من خمس سنوات في كنف المصطفى صلى الله عليه وآله وتنسمت منه عطر الرسالة ومن ابيها امير المؤمنين نسائم الولاية ومن امها عبق العبادة والعفاف والصبر وهي تدرج في ظلال القدس ودار الوحي، واجواء المكرمات والفضائل بعد ان شملها دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله في ابويها حينما زوجهما قائلاً لهما (جمع الله شملكما، وجعل نسلكما مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، وامن الامة).
    وشاء الله تبارك وتعالى ان يسكب من انواره على العقيلة المكرمة زينب عليها السلام، فتتجلى فيها معاني العزة والكرامة، فضلاً عن العلم والشرف والعبادة، والعقل والصبر والزهادة، والجلال والمهابة، فتعيش هذه المرأة في اهل بيتها تنصر الرسالة وتتحمل المهام العظمى، وتناصر اخاها الحسين امام زمانها في نهضته الالهية بايمان راسخ وبصيرة نيرة وثبات وعزيمة، ثم لتواصل مسيرته بعده في ثورة اخرى تمتد الى آخر الدهر، تروى لوحات من المكرمات والانتصارات الرسالية التي هزت قصور الظلمة وعروش الطغاة وما تزال وهي خلال ذلك ضمت يداها الرحيمتان رعيلاً من الايتام والارامل الاسرى ترعاهم بحنانها ولطفها وامومتها:

    هي زينب لو كنت تعرف زينبا**شأت الورى اماً، وبزتهم أبا
    اخت الحسين ومن اتمت بعده**نهج الجهاد وقارعت نوب السبا
    ابدت جميل الصبر وهي وقورة**فكأن ما لقيته كان محببا
    كم شاهدت شجواً وعانت محنة**يعيا البيان لهولها ان يعربا
    رأيت الحماة مجزرين على الثرى**وجسومهم نهب الاسنة والضبا
    راي الرؤوس على الرماح مشالة**والسوط يقرع متنها ان تنحبا
    ورعت يتامى صارخين وما لهم**من مصرخ وحمت عليلاً متعبا


    تجسد الصبر شامخاً في العقيلة الكبرى زينب في ساحة كربلاء حيث عاضدت اخاها الحسين في شهادته وتوجهت به الى الله جل وعلا بقلب مفجوع: «الهي تقبل منا هذا القربان»، وكانت لها صرخة في اول السبي وقد مروا بركب الاسارى على مصارع الشهداء، فنظرن النسوة الى قتلاهن فنادت زينب بصوت حزين وقلب كئيب تنعى سيد الشهداء: يا محمداه، صلى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفي عليهم ريح الصبا بأبي من نفسي له الفداء، بأبي من شيبته تقطر بالدماء بأبي من هو سبط نبي الهدى..
    واما امام طاغية الكوفة عبيد الله بن زياد، فكانت تلك اللبوة الحيدرية، اذ لما سألها شامتاً: كيف رأيت فعل الله باهل بيتك؟
    انبرت اليه تجيبه بل تدمغه قائلة: ما رأيت الا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة!

    وتلك خطبتها في اهل الكوفة اردتهم آسفين حسرى مخزيين، حتى قال شيخ فيهم وقد اخضلت لحيته بدموعه: بابي وأمي كهولهم خير كهول، ونساؤهم خير نساء، وشبابهم خير شباب.

    وفي الشام، اذلت يزيد بن معاوية في عرشه والجمته في خطبة حيرته ولم تدعه الا ان يقول مذهولاً من كلامها:

    يا صيحة تحمد من صوائح**ما اهون النوح على النوائح!


    وقضت زينب بعد واقعة طف كربلاء بسنة ونصف، لا اكثر وهي شهيدة الاحزان، والفجائع، ليبقى التأريخ واقفاً لها باجلال واكبار واعظام انها الصديقة الصغرى بعد امها الزهراء، وانها ولية الله الراضية بقضاء الله، الصابرة على ابتلاء الله، العابدة الشجاعة الفصيحة العاقلة الرشيدة، ربيبة المصطفى، ورضيعة سيدة النساء، ويبقى التأريخ في حيرة تساؤل مستغرب: كيف جاز للقوم ان يسبوا امرأة مكرمة كـ"زينب"؟!
    ومن اين ابتدعوا هذا الحكم الجاهلي ليدخلوه في الاسلام ان تسبى الكرائم وحريم الرسالة وآل النبي؟!
    ثم يطاف بهن في البلدان على مشاهد الملأ، ويدخلن في قصور الطواغيت ليتشمتوا برسول الله ثأراً جاهلياً من بدر وفتح مكة حتى قال يزيدهم:


    نعب الغراب فقلت قل او لا تقل**فلقد قضيت من الرسول ديوني

    وقال:

    قد قتلنا القرم من ساداتهم** وعدلناه ببدر فاعتدل
    لست من خندف ان لم انتقم**من بني احمد ما كان فعل!



  • #2
    الشهيدة زوجة وهب والاسيرة أم وهب الكلبي

    ياهل ترى مضراً درت ماذا لقت**في كربلاء ابناؤها وبناتها
    خفرت لها ابناء حرب ذمة**هتكت لها ما بينهم خفراها
    جارت على تلك المنيعات التي**تهوي النجوم لو انها جاراتها


    كان ذلك اليوم، يوم عاشوراء، يوماً مروعاً في حماية الدهر وتاريخ الانسانية، اعقبته ليلة موحشة يسمع فيها نحيب اليتامى وعويل الايامى، اطفال مدهوشون، ونساء مذهولات، ودخان يتصاعد من عند الخيام، الا خيمة واحدة تركت للسبايا من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، وقد اختارت اسر نجيبة ونساء نبيلات ان يكن مع حرم رسول الله صلى الله عليه وآله يشاركن في السبي والاسر كما شاركن في تقديم الضحايا والقرابين في نصرة اهل بيت المصطفى ومواساتهم، واذا كان الجميع في اضطراب وحيرة، فان امرأة واحدة منهن كانت هادئة مستسلمة، ملقاة هناك على الارض قريبة من اجساد الشهداء، شهيدة سعيدة بنصرتها وبتضحيتها، وبشهادتها تلك كان من بيت وهب الشهيد رضوان الله تعالى عليه.

    في اعلام النساء يذكر ان ام وهب بن حباب الكلبي كانت من ربات الفروسية والشجاعة والحمية الاسلامية، ومجاهدة من المجاهدات، وقد حضرت ارض كربلاء يوم عاشوراء وشهدت ما جرى على آل الرسول من مصائب ومحن وشاركتهم حين بعثت ولدها وهب بن حباب ليقاتل بين يدي امامه وسيده ومولاه ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، وكانت تشجعه وتحرض على نصرة الحسين ولا ترضى له بدون الشهادة، وهذه قصتها معه:

    برز وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي فارساً مرتجزاً:

    ان تنكروني فأنا ابن الكلبي**سوف تروني وترون ضربي


    ثم حمل عليهم ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة منهم، وكان عمره خمساً وعشرين سنة، وقد اسلم على يد الامام الحسين قبل شهادته بعشرة ايام، وكانت امه معه، وقبل ان يبرز قالت له: قم يا بني فانصر ابن بنت نبيك فأجابها افعل ذلك يا اماه ولا اقصر، فلما عاد بعد ان قتل جماعة من قوم عمر بن سعد سألها: ارضيت يا اماه؟
    فأجابته: لا حتى تقتل بين يدي مولاك الحسين، اما زوجة وهب وقد كان مضى على عرسها سبعة عشرة يوماً فقط، فقد قالت له اسألك بالله الا تفجعني في نفسك فقالت ام وهب لولدها لا تقبل قولها وارجع الى مكانك وقاتل بين يدي مولاك، فلما سمعت زوجته ذلك اقبلت بزوجها الى الحسين عليه السلام تقول له:
    يا ابن رسول الله لي حاجتان الاولى انه اذا مضى عني وهب فأبقى بلا محام ولا كفيل، فسلمني الى اهل بيتك والثانية اذا قتل وهب كان مع الحور العين فينساني فجعلتك يا مولاي شاهداً على الا ينساني فلما سمع الحسين كلامها بكى بكاءً شديداً، ثم اجاب سؤلها وطيب خاطرها، فعاد وهب الى القتال وهو يرتجز:

    اني زعيم لك ام وهب
    بالطعن فيهم تارة والضرب
    ضرب غلام مؤمن بالرب
    حتى يذيق القوم مر الحرب
    حسبي الهي من عليم حسبي


    فلم يزل يقاتل يميناً وشمالاً حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، فقطعت يمينه وشماله، فاخذت امرأته عموداً واقبلت نحوه تقول له فداك ابي وامي، قاتل دون الطيبين حرم رسول الله، فسألها: كنت نهيتني عن القتال والان جئت تحرضيني؟!
    اجابته: لا تلمني يا وهب، فاني عفت الحياة منذ سمعت نداء الحسين واغربتاه! وا قلة ناصراه!
    فقال لها: ارجعي فان الجهاد مرفوع عن النساء.
    قالت: لن اعود او اموت معك، ثم اخذر ثوبها باسنانه ليرجعها، فافلتت منه، فاستغاث بالحسين.
    فقال عليه السلام: جزيتم عن اهل بيتي خيراً، ارجعي الى النساء بارك الله فيك، فانه ليس عليكن قتال، يصيبك ما يصيب اهل بيتي، وحالك كحالهم، ولحظات ويسقط وهب مثخناً بالجراح، فتذهب زوجته اليه لتمسح الدم عن وجهه، ومن بعيد يبصر بها شمر، فيأمر غلاماً له ليضربها بعمود شدخ بها رأسها فقتلها.
    واخذ وهب اسيراً، فأتي به عمر بن سعد فقال له ما اشد صولتك ثم امر به فضربت عنقه ورمي برأسه نحو عسكر الحسين عليه السلام فاخذت امه الرأس وقبلته وقالت له: الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي ابي عبد الله.
    ثم عدت على قاتله فقتلته، وشدت ام وهب بعد ذلك بعمود الخيمة على القوم فقتلت منهم رجلين، وهي تقول لهم: اشهد ان اليهود في بيعها والنصارى في كنائسها خير منكم.
    فناداها الحسين: ارجعي يا ام وهب، فان الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت كئيبة وهي تقول: الهي لا تقطع رجائي.
    فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجاءك يا ام وهب، انت وولدك مع رسول الله وذريته في الجنة.

    ثم كانت مع آل رسول الله في السبا بعد عاشوراء.

    تعليق


    • #3
      السيدة فاطمة بنت الحسين عليه السلام

      وثواكل لما دفعن عن البكاء**والنوح رددت الشجى لهواتها
      زفراتها لو لم تكن مشفوعة**بالدمع اضرمت السما جذواتها
      وعلى الايانق من بنات محمد**في الشمس تصلى حرها اخواتها


      طلع فجر الحادي عشر من المحرم بعد تلك الوقعة الرهيبة، يوم قتل سيد شباب اهل الجنة ابو عبد الله الحسين، واهل بيته والخيرة من اصحابه جاء اعوان عمر بن سعد بالابل ليحملوا عليها كرائم الوحي ومخدرات الرسالة، الى الكوفة، ولكنهن طلبن ان يكرب بعضهن البعض، فسار بهن الحادي من ساحة الطف، فشاهدت بنات الرسالة، وفيهن فاطمة بنت الحسين عليه السلام تلك الابدان الزواكي على رمال كربلاء مقطعة متناثرة ثم سار ركب الاسر الحسيني وفيه يتامى آل الرسول، وثواكل آل محمد صلى الله عليه وآله، متجهاً نحو الكوفة!!
      افيعقل ذلك؟!
      أجل، بذلك حدثت كتب التاريخ ورواته وقالت: كان في الركب بنت جليلة، هي فاطمة بنت الحسين.

      ان جلالة هذه العلوية الطاهرة فاطمة بنت الحسين ابن علي بن ابي طالب عليهم السلام، وعظم شأنها، اوضح من ان يحتاج الى بيان، فهي عالمة محدثة، تركت آثاراً جليلة في التاريخ الاسلامي، حتى انها ساهمت في نجاح ثورة ابيها الحسين صلوات الله عليه مع عمتها زينب الكبر وبقية اخواتها.

      عرفت بالعبادة والزهادة، وقد ضربت خيمة على قبر زوجها الحسن المثنى بن الامام الحسن المجتبى، فكانت تصوم نهارها وتقم ليلها الى سنة.

      وكانت فاطمة بنت الامام الحسين رضوان الله عليها من راويات عصرها، قال ابن حجر العسقلاني في "تهذيب التهذيب" روت عن ابيها الحسين، واخيها زين العابدين، وعمتها زينب بنت علي، وجدتها فاطمة الزهراء، وابن عباس وبلال المؤذن واسماء بنت عميس، نعم، وكانت رواياتها على غاية من الاهمية ثم كان لها شرف ايداع الامام الحسين وصيته عندها كما جاء عن الامام محمد الباقر عليه السلام، ان الحسين سلام الله عليه لما حضره ما حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع اليها وصيته في كتاب ملفوف مدرج، فلما استشهد دفعت ذلك الى اخيها علي بن الحسين، ثم صار الى آل البيت عليهم السلام.
      هكذا روى الكليني في "اصول الكافي" وابن شهر آشوب في "مناقب آل ابي طالب".

      واما في شأن واقعة الطف الكبرى، فكانت فاطمة بنت الحسين ان خرجت مع ابيها الى كربلاء، حتى كان ما كان، ودخلت الكوفة مع ركب السبايا، وكان لها في قصر عبيد الله بن زياد خطبة اذهلت العتاة المردة، افتتحت خطبتها تلك بحمد الله تعالى والاقرار الشهادتين، ثم عرضت قصة شهادة ابيها واخوتها باسلوب حكيم وعبارات رزينة صورت فيها الوان القتل والتمثيل، وترجمت خلال ذلك اشجان القلوب وانبت اهل الكوفة فخاطبتهم بقولها:

      "اما بعد يا اهل الكوفة، يا اهل المكر والغدر والخيلاء انا اهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجته على الارض في بلاده لعباده، اكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، واموالنا نهباً كما قتلتم جدنا بالامس، وسيوفكم تقطر من دماءنا اهل البيت، لحقد متقدم، ويلكم! اتدرون اية يدٍ طاعنتنا منكم؟ واية نفس نزعت الى قتالنا؟! تباً لكم يا اهل الكوفة أي تراث لرسول الله قبلكم، وذحول له لديكم، ثم غدرتم باخيه علي بن ابي طالب عليه السلام جدي، وبنيه عترة النبي الاخيار، وافتخر بذلك مفتخركم:
      نحن قتلنا علياً وبني علي**بسيوف هندية ورماح!

      وسبينا نساءهم سبي ترك**ونطحناهم فأي نطاح!

      حسدتمونا ويلاًَ لكم على ما فضلنا الله تعالى.
      فما ذنبنا ان جاش دهر بحورنا**وبحرك ساج لا يواري الدعامصا
      ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

      عند ذلك ارتفعت الاصوات بالبكاء والنحيب، وقالوا لها: حسبك يا ابنة الطاهرين، فقد احرقت قلوبنا، وانضجت نحورنا، واضرمت اجوافنا، فسكتت.

      ويرحل ركب السبايا من الكوفة الى الشام حتى يدخل قصر الطاغية يزيد، ليشمت من رسول الله في قتل عترته، وقد وضع راس الحسين في طست من ذهب كما ذكر اليافعي في "مرآة الجنان"، وجاء في "الكامل" لابن الاثير ان النساء كن خلفه، فقامت سكينة وفاطمة ابنتا الحسين تتطاولان للنظر الى راس ابيهما، فلما رأينه صرخن بالبكاء، وذكر الطبري في تأريخه ان يزيد اخذ قضيباً وجعل ينكث فم الحسين ويقول: يوم بيوم بدر!

      اما فاطمة بنت الحسين فقد صرخت في القصر في وجه يزيد قائلة له: ابنات رسول الله سبايا يا يزيد؟!
      فبكى الناس، وبكى اهل داره، حتى علت الاصوات!


      تعليق


      • #4
        السيدة أم خلف زوجة مسلم بن عوسجة

        ابا حسن يا خير حام لجاره**ابث لك الشكوى بدمع مرقرق
        فناهيك في رزء تفاقم وقعه**فاصبح فيه الدمع من بعض منطقي
        فكم لك في ارض الطفوف نوادب**ينحن بها نوح الحمام المطوق
        وكم طفلة قد ارهبوها بقسوة**وما عودت من قبل غير الترقرق
        وكم حرة حسرى بدت من خباً لها**وليس لديها ساتر غير مرفق!

        ذوات النجابة والولاء من النساء المسلمات، لم يطقن ان يتركن حرائر الوحي وكرائم الرسالة يعشن المحنة العظمى في كربلاء لوحدهن، فقد اقدمن على المواساة والتضحية، ثم دخلن مع آل الله في مصيبة السبي بعد ان دفعن بازواجهن واولادهن الى ساحة الشهادة بين يدي امام زمانهم ابي عبد الله الحسين ريحانة المصطفى صلى الله عليه وآله.

        وكان من بين تلك المؤمنات المواليات النجيبات ام خلف زوجة مسلم بن عوسجة الشهيد السعيد الذي تشرف بنصرة سيد شباب اهل الجنة، الامام الحسين بن علي، اولاً، ثم بالشهادة بين يديه، بتأبينه، ثم بزيارة الامام المهدي صلوات الله عليه له، حيث خاطبه بقوله:
        السلام على مسلم بن عوسجة الاسدي، القائل للحسين عليه السلام وقد اذن له في الانصراف: انحن نخلي عنك؟! وبم نعتذر عند الله من اداء حقك؟! لا والله حتى اكسر في صدورهم رمحي هذا، واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا افارقك، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولا افارقك حتى اموت معك.
        ويواصل الامام المهدي سلام الله عليه زيارته لمسلم بن عوسجة فيخاطبه بالقول: وكنت اول من شرى نفسه، واول شهيد من شهداء الله قضى نحبه أي من الاصحاب في كربلاء، ففزت ورب الكعبة، وشكر الله استقدامك ومواساتك امامك، اذ مشى اليك "أي الحسين" وانت صريع فقال: يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة.
        وقرأ: "فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً" لعن الله المشتركين في قتلك، عبد الله الضبابي، وعبد الله بن خشكارة البجلي، ومسلم بن عبد الله الضبابي.


        في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي، وكذا في تاريخ الطبري ان مسلم بن عوسجة برز الى ساحة كربلاء مملئاً شجاعة وبسالة وغيرة، وهو يرتجز قائلاً:

        ان تسألوا عني فاني ذو لبد
        من فرع قوم من ذرى بني اسد
        فمن بغاني حائد عن الرشد
        وكافر بدين جبار صمد

        وتابعه نافع بن هلال يعضده، فخرج رجل من بني قطيعة قائلاً: انا على دين فلان!
        فقال له نافع: انت على دين الشيطان، ثم حمل عليه نافع فقتله، فاخذ نافع ومسلم بن عوسجة يجولان في ميمنة عسكر عمر بن سعد.
        فصاح عمرو بن الحجاج، ويلكم يا حمقى مهلاً! اتدرون من تقاتلون؟! انما تقاتلون فرسان المصر واهل البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرز منكم احد الا قتلوه على قلتهم!
        ثم حمل عمرو بن الحجاج نحو الفرات، فاقتتلوا ساعة، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة، فشد عليه جماعة حتى ثارت غبرة شديدة، ما انجلت الا ومسلم صريح وبه رمق، فمشى اليه الحسين بنفسه الطيبة، ومعه حبيب بن مظاهر، وكان مسلم حتى انفاسه الاخيرة ذلك المخلص الموالي الغيور، حيث دنا منه حبيب بن مظاهر فقال له: عز علي مصرعك يا مسلم، ولو لم اعلم اني في الاثر أي على اثرك في الشهادة لاحببت ان توصي الي بما اهمك فقال له مسلم، اوصيك بهذا واشار الى الحسين ان تموت دونه فقال حبيب افعل ورب الكعبة.

        وكانت لمسلم بن عوسجة زوجة مؤمنة موالية لأهل البيت العصمة، حضرت معه في ارض كربلاء وعاضدته في نصرة سيد الشهداء، حتى صرع مخضباً بدم الشهادة والكرامة.

        كتب الشيخ ذبيح المحلاتي في رياحين الشريعة نقلاً عن عطاء الله الشافعي في روضة الاحباب ان زوجة مسلم بن عوسجة كان لها ابن من زوجها مسلم يسمى خلف لما سمع بمصرع ابيه وشهادته نهض كالاسد مندفعاً الى ساحة المعركة، فاعترضه الحسين سلام الله عليه يمنعه ويعلمه انه ان قتل ستبقى امه وحيدة في هذه الرمضاء فاراد خلف الرجوع واذا بامه تعترضه تتعجل منعه عن القعود واقفة في طريقه لتقول له: بني اختر نصرة ابن بنت نبيك على سلامة نفسك اما اذا اخترت سلامتك فلن ارضى عنك ابداً.

        فبرز خلف بن مسلم بن عوسجة للقوم وحمل عليهم وهو يسمع امه تناديه وتشجعه: ابشر يا ولدي، فانك ستسقى من ماء الكوثر الساعة ان شاء الله تعالى، فقتل خلف ثلاثين رجلاً، وبقي يقاتل ببسالة وشهامة حتى نال شرف الشهادة، فلما سقط احتز اللؤماء رأسه ورموا به نحو امه، فتلقته امه واحتضنته وقبلته ثم بكت وابكت من كان معها.

        ثم دخلت في ركب السبي مع حريم الرسالة بعد العاشر من المحرم.

        تعليق


        • #5
          أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام

          يا حرمة هتكت لعزة احمد**فيها وعزة ربه حرماتها
          احماة دين الله كيف بناتكم**ساروا بها والشامتون حماتها
          تطوي الفلاة بها وما ضاقت على**حرب بشعث خيولكم فلواتها

          كان من الصعوبة بمكان ان يصدق التاريخ ان بنات الوحي وربائب بيت النبوة تسبى في كربلاء وفيهن العقيلة زينب وام كلثوم ابنتا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلامّ!
          لكن هو ذلك الذي جرى وكان فقد نهضت اسرة الامام الحسين عليه السلام في تكليف الهي خاص لنصرة الدين وانقاذه وقد شاء الله تعالى ان يكن تلك النسوة العلويات المكرمات سبايا ليكون لهن دور خاص في نهضة عاشوراء وقد كان ذلك، فجاء دور ام كلثوم رضوان الله عليها معاضداً لدور اختها العقيلة زينب الكبرى سلام الله عليه بل ومتواصلاً مع الثورة الحسينية المباركة مع شدة الفاجعة وهول المصيبة وعظم النكبة.

          ام كلثوم البنت الثانية للزهراء والمرتضى عليهما السلام، جدها لامها رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدتها لامها خديجة بنت خويلد، وجدتها لابيها فاطمة بنت اسد، وجدها لابيها حامي رسول الله ابو طالب رضوان الله تعالى عليهم.

          ولدت في السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة فعاشت في كنف المصطفى اكثر من اربع سنوات، فلما نشأت في بيت الرسالة والامامة تزوجها عون ابن جعفر الطيار الشهيد رضوان الله عليه.

          شهدت مأساة كربلاء وما تبعها من الاسر المرير، ورافقتها بوقائعها المفجعة من البداية الى النهاية، ثم توفيت في المدينة بعد عودتها من الشام باربعة اشهر.

          وصفها اصحاب السير بانها كانت فهيمة بليغة، جليلة القدر، ثقة من فواضل نساء عصرها، وكانت ذات زهد وعبادة وشجاعة وفصاحة، عظيمة المنزلة عند اهل البيت عليهم السلام، وتلك مواقفها في وقائع النهضة الحسينية الشريفة ما زالت تدوي في اعماق التاريخ شاهدة لها بانها اللبوة العلوية الغيورة.

          ام كلثوم ابنة امير المؤمنين وابنة سيدة نساء العالمين، كانت قد حضرت ارض كربلاء تناصر امام زمانها ابا عبد الله الحسين، فشهدت تلك الواقعة الرهيبة، وكل ما جرى على اخوتها وابنائهم وانصارهم، وكان لها مواقف بطولية شامخة سجد لها التأريخ.

          روى السيد ابن طاووس في كتابه "اللهوف على قتلى الطفوف"، ان ام كلثوم نادت حين وداع الحسين للعائلة قبيل شهادته: وا احمداه، واعلياه، وا أماه، وا أخاه، واحسيناه، واضيعتنا بعدك يا ابا عبد الله!
          فعزاها اخوها الحسين: يا اختاه تعزي بعزاء الله، وقال لها: اوصيك يا اخية بنفسي خيراً، وأني بارز الى هؤلاء وكان عليه السلام من وصاياه يا اختاه يا ام كلثوم، وانت يا زينب وانت يا فاطمة، وانت يا رباب، انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن هجراً، وسويعة واذا بفرس الحسين يقبل الى الخيام خلياً من فارسه.
          فوضعت ام كلثوم يديها على ام رأسها ونادت: وامحمداه واجداه وابتاه واعلياه، واجعفراه واحمزتاه، واحسناه، هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، ثم غشي عليها!

          وفي الكوفة آه من دخول الكوفة!
          في ذلك الاسر والرؤوس على الرماح الطويلة مشالات، والانظار متجهة الى السبايا، من هؤلاء يا ترى؟ ايصدق ان مثل زينب او ام كلثوم وفاطمة بنت الحسين وسكينة في ذلك الركب؟! امر مذهل حقاً، وقد كانت الكوفة قبيل سنوات قلائل عاصمة ابيهم امير المؤمنين فما الذي جرى، وكيف انقلب الناس على اعقابهم؟! تلك سبايا، واولئك رؤوس الاخوة والابناء وابناء العمومة والانصار، والناس يتفرجون فاشتد على ام كلثوم وجد ومصاب فصاحت بهم يا اهل الكوفة سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم امواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتباً لكم وسحقاً! ويلكم! اتدرون أي دواه دهتكم واي وزر على ظهوركم حملتم، واي دماء سفكتموها، واي كريمة اصبتموها واي صبية سلبتموها، واي اموال انتهبتموها؟! قتلتم خير الرجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله، ونزعت الرحمة من قلوبكم، الا ان حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.
          ثم قالت:

          قتلتم اخي ظلماً فويل لامكم**ستجزون ناراً حرها يتوقد
          سفكتم دماء حرم الله سفكها**وحرمها القرآن ثم محمد
          الا فابشروا بالنار انكم غداً**لفي سقر حقاً يقيناً تخلدوا
          واني لابكي في حياتي على اخي**على خير من بعد النبي سيولد
          بدمع غزير مستهل مكفكفٍ**على الخد مني دائماً ليس يجمد

          قال الراوي: فضج الناس بالنوح والبكاء ونشرت نساء الكوفة شعورهن تحت اقبيتهن ووضعن التراب على رؤوسهن، وخمشن وجوههن، ولطمن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال، ولم ير باك ولا باكية اكثر من ذلك اليوم!

          تعليق


          • #6
            العجوز المواسية لعيالات الرسول صلى الله عليه وآله
            إمرأة من بني بكر بن وائل
            زوجة عبد الله بن عمير

            وكم حرة حسرى بدت من خباً لها**وليس عليها ساتر غير مرفق
            هنالك لو شاهدتها تنفث الشجى**بقلب من الوجد المبرح محرق
            لعز امير المؤمنين خروجها**عليك بحال احزنت كل مشفق

            بات حريم رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الحادي عشر من المحرم في اوحش حال وارهبه، حيث الفاجعة العظمى بقتل ولي الله الحسين واهل بيته وذويه واصحابه، وها هي ابدانهم الزاكية مقطعة متناثرة تملأ صحراء كربلاء، وتلك اخبية الركب الحسيني وخيامه يتعالى منه دخان الحرائق، والقوم كذئاب تحيط من كل جانب بعد غارات اريد بها السلب والنهب، فلا غيرة تردعهم ولا انسانية ولا حياء، بعد ان لم يكن لهم دين ولم يؤمنوا بيوم المعاد، ولم يصبحوا احراراً من شهواتهم الدنيوية الحيوانية.

            وفي تلك الليلة، كان هنالك نسوة مؤمنات صالحات، واسين حرم النبي في مصيبتهن العظمى، فلذن بهن، وتجمعن معهن، وشاركنهن نكبتهن، وان خيم عليهن الرعب، والاضطراب وكان من بينهن امرأة نجيبة لم يتعرف عليها التأريخ الا كونها عجوزاً اضعف قواها الزمن فعادت ضعيفة البدن، ومع ذلك كانت غيورة تطفح شهامة وعزة وولاءً لاهل البيت عليهم السلام، فما قصتها تلك؟

            ذكر اصحاب المقاتل ان عجوزاً حضرت واقعة الطف يوم عاشوراء مع الامام الحسين عليه السلام، وذاك توفيق لم يتسن لكثير من الرجال، فشاهدت تلك العجوز بأم عينيها ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله من المصائب والمحن، وشاركتهم في ذلك كله، وبعد شهادة زوجها بين يدي سيده ومولاه الحسين سلام الله عليه نهضت العجوز رضوان الله عليها تقدم ولدها وفلذة كبدها ليدافع عن امام زمانه ابي عبد الله الحسين عليه السلام وعن عياله الاطهار وتلك قصتها يوم عاشوراء.

            في كتابه (مقتل الحسين عليه السلام) كتب الخطيب الخوارزمي الحنفي ثم خرج من بعد ذلك شاب قتل ابوه في المعركة، وكانت امه عنده.
            فقالت له: يا بني اخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل،
            فأجابها ولدها: افعل فخرج.
            فقال الحسين عليه السلام: هذا شاب قتل ابوه، ولعل امه تكره خروجه!
            فقال الشاب: امي امرتني بذلك يا ابن رسول الله فخرج وهو يقول:

            اميري حسين ونعم الامير
            سرور فؤادي البشير النذير
            عليٌّ وفاطمة والداه
            فهل تعلمون له من نظير!

            ثم قاتل رضوان الله عليه حتى قتل، فاحتز القوم رأسه ورموا به نحو عسكر الحسين، فاخذته امه وخاطبته بقولها: احسنت يا بني، يا قرة عيني وسرور قلبي.
            ثم قامت فأخذت عمود خيمة وحملت على قوم عمر بن سعد وهي تقول:

            اني عجوز في النسا ضعيفة
            بالية، خاوية، نحيفة
            اضربكم بضربة عنيفة
            دون بني فاطمة الشريفة

            قال الراوي: فضربت رجلين فقتلتهما، فامر الامام الحسين عليه السلام بصرفها وارجاعها الى خيمتها، وقد دعا لها.

            عادت تلك العجوز الى خيمتها، لكنها في الحادي عشر من المحرم ابت الا ان تنضم الى ركب السبايا من آل البيت عليهم السلام.

            ولم تزل كربلاء تحدثنا عن المواقف الشامخة، من نساء اخذتهن الغيرة على كرائم الوحي وبنات الرسالة، ولو كان الامر اليهن لقاتلن مثل الرجال، واخترن الاسر مع آل النبي على الحرية مع اعدائهم.

            ذكر السيد ابن طاووس في كتابه (اللهوف على قتلى الطفوف) وكذا بان نما في "مثير الاحزان"، عن حميد بن مسلم قال:

            رأيت امرأة من بني بكر بن وائل، كانت مع زوجها في اصحاب عمر بن سعد، فلما رأت القوم ـ أي بعد انتهاء المعركة ـ قد اجتمعوا على نساء الحسين عليه السلام وفسطاطهن وهم يسلبوهن، اخذت تلك المرأة سيفاً واقبلت نحو الفسطاط "أي المخيم" وصاحت:
            يا آل بكر بن وائل! اتسلب بنات رسول الله؟! لا حكم الا لله! يا لثارات رسول الله! فأخذها زوجها وردها الى رحله.

            وفي تاريخ الطبري وتاريخ ابن كثير البداية والنهاية، وانساب الاشراف / للبلاذري والكامل / لابن الاثير، ان رجلاً من بني عليم اسمه عبد الله بن عمير نزل الكوفة، فلما راى الحسين قد جعجع به نحو كربلاء قال:
            اني لارجو الا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم ايسر ثواباً عند الله من ثوابه اياي في جهاد المشركين، ثم اخبر زوجته بالامر.
            فقالت له: اصبت اصاب الله بك ارشد امورك، افعل واخرجني معك،
            فخرج بأمرأته ليلاً حتى اتى الحسين فأقام معه، فلما كان القتال برز عبد الله بن عمير مستئذناً مولاه الحسين، فأذن له قائلاً: اني لاحسبه للأقران قتالاً، واذا بامرأته وتدعى ام وهب، تأخذ عموداً وتقبل نحو زوجها تقول له: فداك ابي وامي قاتل دون الطيبين من ذرية محمد، فأخذ يردها نحو النساء وهي تجاذبه ثوبه وتقول له: لن ادعك دون ان اموت معك
            فناداها الحسين: جزيتم من اهل بيت خيراً، ارجعي فانه ليس على النساء قتال،
            فانصرفت، ثم انضمت الى نساء الحسين تندب الشهداء ومنهم زوجها،
            ثم واصلت معهن مسير ركب السبا
            .

            تعليق


            • #7
              ام هاني بنت امير المؤمنين عليه السلام

              وخيامكم تلك التي اوتادها**شهب السماء وعرشها داراها
              بالنار اضرمها العدو وانتم**اربابها وحريمكم رباتها
              فرت تعادي في الفلاة نوائحاً**حيرى تقطع قلبها حسراها
              حتى اذا وقفت على جثث لكم**طالت عليها للظبى وقفاتها

              كانت كربلاء امتحاناً كبيراً للمسلمين، ومحكاً واضحاً لأهل الدين واليقين، ولأهل الجاهلية والمرتدين، فقد تجرأ القوم على قتل عترة رسول الله صلى لله عليه وآله، ثم عاجوا على اسرته سلباً ونهباً واسراً يساقون من بلد الى بلد بأسم "الخوارج" واذا في السبايا: حفيدة المصطفى وابنة المرتضى وبضعة فاطمة الزهراء "زينب"، وجمع من زوجات امير المؤمنين وخليفة المسلمين وحامي النبي "علي بن ابي طالب"، كذا جمع من بناته كرائم بيت الرسالة ومخدرات دار الوحي، وفيهن ام هاني ومن يا ترى ام هاني؟

              ام هاني .. هي بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب سلام الله عليه، ذكرها الشيخ الطبرسي في تاج المواليد واعلام الورى، والمحدث الامير جمال الدين الهروي في الاربعين في فضائل امير المؤمنين، والشيخ رضي الدين الحلي في العدد القوية، تزوجها ابن عمها عبد الله الاكبر ابن عقيل بن ابي طالب، وهو الشهيد بارض الطف في حملة آل ابي طالب بعد شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيل، حيث حملوا حملة واحدة، فصاح بهم الحسين سلام الله عليه:
              صبراً على الموت يا بني عمومتي، والله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم.
              فوقع فيهم عون بن عبد الله بن جعفر الطيار وامه العقيلة زينب، واخوه محمد وامه الخوصاء، وعبد الرحمان بن عقيل بن ابي طالب واخوه جعفر بن عقيل، ومحمد بن مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليهم.

              هذا وام هاني بنت امير المؤمنين تنظر الى الضحايا من بني عمومتها يقتلون ويقطعون، فيتساقطون على رمال كربلاء، حتى شاهدت ابن اخيها الحسن المثنى ابن الامام الحسن المجتبى وقد اصابته سيوف الاعداء بثمانية عشر جراحة، وقطعت يده اليمنى، فتنحى عن ساحة المعركة ولم يستشهد، وزوجته فاطمة ابنة عمه الحسين عليه السلام، وكانت هي الاخرى حاضرة في كربلاء وقد شاهدت مع عمتها ام هاني تلك المشاهد المروعة.

              اما ام هاني ابن الامام علي، فقد كانت تراقب تلك المعركة الدامية، وترى بام عينيها كيف يقتل آل ابي طالب الواحد تلو الاخر، حتى خرج اخوها ابو بكر ابن امير المؤمنين واسمه محمد، فقتله زحر بن بدر النخعي، بعده خرج ابن عمها وزوجها عبد الله بن عقيل بن ابي طالب، فشاهدته وهو يدافع عن حريم الامامة وينصر دينه بغيرة وشهامة، فما زال يضرب في القوم حتى اثخن بالجراح، واذا به يهوي الى الارض، فيجيئه عثمان بن خالد التميمي لعنه الله فيقتله غدراً.

              من شيبة الحمد شبان مشت مرحاً**لنصرة الدين لا كبراً ولا تيها
              بسامة الثغر والابطال عابسة**تفتر منها الثنايا عن لئاليها
              لو لم يكن همها نيل السعادة ما**ابقت على الارض شخصاً من اعاديها

              وهكذا كانت ام هاني ابنة علي بن ابي طالب عليه السلام تتلقى تلك الفجائع بالصبر والرضى، ولم تنته مصائبها عند قتل زوجها وشهادته رضوان الله تعالى عليه، فقد ذكر الشيخ الطبرسي، وكذا الشيخ المجلسي ان ام هاني ولدت من زوجها عبد الله بن عقيل ولدين احدهما عبد الرحمن، والآخر اسمه محمد كان قد استشهد يوم عاشوراء في طف كربلاء مع خاله ابي عبد الله الحسين صلوات عليه، فتجرعت امه ام هاني غصة فراقه وهو شاب يافع، اعقبت ذلك غصص لا توصف ولا تطاق، تلك كانت في سلسلة شهادات مقدسة تقلدها ابو الفضل العباس اخوها من ابيها بعد شهادة اخوتها عبد الله وعثمان وجعفر اولاد امير المؤمنين من ام البنين رضوان الله عليهم اجمعين، وام هاني تنظر اليهم بقلب كسير كئيب وعين غرقى، ثم جيء لها بابن اخيها عبد الله الرضيع مذبوحاً في قماطه من الوريد الى الوريد، ثم كانت الفاجعة المذهلة العظمى بشهادة سيد شباب اهل الجنة اخيها الحسين، حيث ضجت غبرة حمراء سوداء، وانقلبت العوالم، وكان ما كان من الوحشة والرعب.
              ثم الاسر المرير والسبي الى قصور الطواغيت العتاة!

              تعليق


              • #8
                رقية بنت امير المؤمنين عليه السلام

                وفي السبي مما يصطفي الخدر نسوة**يعز على فتيانها ان تسيرا
                حمت خدرها يقظى وودت لنومها**ترد عليها جفنها لا على الكرى
                مشى الدهر يوم الطف اعمى فلم يدع**عماداً لها الا وفيه تعثرا
                وجشمها المسرى ببيداء قفرة**ولم تدر قبل الطف ما البيد ما السرى
                ولم تر حتى عينها ظل شخصها**الى ان بدت في الغاضرية حسرا

                قد لا يصدق المرء وهو يمرر نظراته على بعض اسطر التأريخ حيث يقرأ ان ادعياء خلافة رسول الله يجيزون لانفسهم ان يصدروا حكماً وضعياً ظالماً باسر المسلمات الارامل والاطفال اليتامى وسبيهم، ومن يا ترى اولئك السبايا؟!
                انهم اسرة النبي وحرمه الشريفة، وذراريه وابناؤه الاطياب صلوات الله عليهم، جاؤوا ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وليصلحوا شأن هذه الامة التي انحرفت مع حكامها المفسدين المحرفين.
                فاذا بالامر ينجر الى القتل والقتال، والمثلة بالاجساد الزاكية، ورفع الرؤوس على الرماح، ثم سبي الاسر الكريمة من آل البيت واشراف العرب وعوائل الايمان والجهاد، وكان بينهن بنات خليفة المصطفى علي امير المؤمنين زينب وام كلثوم، وام هاني، والاخرى رقية، ومن يا ترى تلك رقية؟

                قال المسعودي في مؤلفه الشهير مروج الذهب في ذكر امير المؤمنين عليه السلام ان من ابنائه عمر ورقية، وامهما تغلبية امها الصهباء بنت ربيعة ام حبيب بن عباد، من سبي اليمامة او عين تمر، اشتراها امير المؤمنين عليه السلام فولدت له عمر الاطرف ورقية، وكانا توأمين كما يذكر الشيخ الطبرسي في تاج المواليد وكذا في اعلام الورى باعلام الهدى، كما ذكر الامير جمال الدين المحدث الهروي في كتابه الاربعين في فضائل الامام امير المؤمنين ان عمر ورقية كانا توأمين امهما ام حبيب بنت التغلبية، وكان خالد بن الوليد قد سباها ظلماً في غارته على آل مالك بن نويرة، فاخرجها امير المؤمنين عليه السلام من الاسر وهي مسلمة، بأن اشتراها ثم تزوجها فكان له منها ابنته المكرمة رقية التي عاضدت اخاها الحسين ورافقته الى كربلاء، وعاشت محنة الممضة المهولة.

                ذكر جملة من المؤرخين والنسابة ومنهم محمد بن حبيب البصري في كتابه المحبر، وابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبين، وابن الاثير الجزري في تاريخه المعروف بـ الكامل.. ان رقية ابنة علي بن ابي طالب رضوان الله عليها تزوجت بابن عمها مسلم بن عقيل بن ابي طالب رضوان الله عليه، فكان لهما منه ولد يدعى عبد الله بن مسلم.

                اذن فرقية بنت الامام علي هي زوجة مسلم الشهيد، الذي اشتهرت قصته انه كان سفير الحسين الامام ومبعوثه الى اهل الكوفة وقد بعثوا اليه بآلاف الرسائل ان اقدم علينا فليس لنا امام، فبعث اليهم بكتابه اليهم وفيه: (واني باعث اليكم اخي وابن عمي، وثقتي من اهل بيتي، مسلم بن عقيل)، لكن كان منهم الخذلان ثم الغدر، فحوصر في بيت طوعة، وما هي الا ساعة قاتلهم فيها بروح علوية غيورة شامخة، كان فيها وقيعتهم بها بأمان كاذب وحفيرة خائنة، ثم قتل بقطع الرأس ورمي البدن الشريف من اعلى قصر الامارة، ثم سحبه في اسواق الكوفة وسككها.

                هذا والامام الحسين عليه السلام يقطع طريقه نحو كربلاء، وقد بلغ احد منازل سفره في منطقة تدعى زرود، فأتاه خبر مسلم بن عقيل هناك انه غدر به وقتل، فاسترجع عليه السلام كثيراً وترحم عليه مراراً، وبكى، وبكى معه بنو هاشم وكثر صراخ النساء وبينهن زوجته وابنة عمه رقية بنت امير المؤمنين، حتى ارتج الموضع لقتل مسلم، وسالت دموع كل مسيل.

                ويذكر المؤرخون بعد هذا امرين:
                الاول ان كان لمسلم بن عقيل طفلة تدعى حميدة مسح الحسين - وهو خالها - على رأسها حين اتاه نعي ابيها مسلم، فاحست باليتم، فدعا عليه السلام بناته واخته العقيلة زينب الى احتضانها وتسليتها.
                مسح الحسين برأسها، فاستشعرت - باليتم، وهي علامة تكفيها لم تبكيها عدم الوثوق بعمها - كلا، ولا الوجد المبرح فيها لكنها تبكي مخافة انها - تمسي يتيمة عمها وابيها.
                والامر الثاني الذي يذكره المؤرخون، هو ان رقية كان لها ولد من زوجها مسلم بن عقيل يسمى عبد الله قتل يوم كربلاء - هكذا ذكر ابن الاثير في الكامل وابو الفرج في مقاتل الطالبين، والطبري في تأريخه، والبلاذري في انساب الاشراف وغيرهم، انه بعد شهادة علي الاكبر سلام الله عليه خرج عبد الله بن مسلم بن عقيل بن ابي طالب وامه رقية الكبرى بنت امير المؤمنين عليه السلام، وهو يقول:
                اليوم القى مسلماً وهو ابي - وعصبة بادوا على دين النبي
                فقتل جماعة في ثلاث حملات، حتى رماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم فاتقاها عبد الله بن مسلم بيده فسمرت الى جبهته، فما استطاع رضوان الله عليه ان يقلعها عن جبهته، فتوجه الى الله تعالى بالدعاء: اللهم انهم استقلونا، واستذلونا، فاقتلهم كما قتلونا.
                وبينما هو على هذه الحال، اذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه فاستشهد، فجاء اليه يزيد بن الرقاد لعنه الله فاخرج سهمه طامعاً به من جبهة عبد الله، فاستله الا ان نصل السهم بقي في جبهته فقضى شهيداً، ففجع به خاله الامام الحسين وبكاه، كما فجعت به امه رقية وهي تشاهد تلك المشاهد الرهيبة ومصارع الاحبة والاعزة على رمضاء كربلاء، تصبر وتصابر، وتحتسب ذلك في سبيل الله.
                حتى رحلت عن ارض الطف في ركب السبايا.

                تعليق


                • #9
                  ليلى الثقفية أم علي الاكبر عليه السلام

                  واعظم ما يشجي الغيور حرائر**تضام ... وحاميها الوحيد مقيد
                  فمن موثق يشكو التشدد من يد**وموثقة تبكي فتلطمها اليد
                  كأن رسول الله قال لقومه**خذوا وتركم من عترتي وتشددوا

                  كان من المشيئة الالهية الحكيمة، ان يصطحب الامام الحسين عليه السلام وهو الولي العارف اسرته المكرمة الى كربلاء، وكان في تلك الاسرة الشريفة اخواته وبناته وزوجاته، وجمع من النسوة الطاهرات من زوجات اصحابه الاوفياء، ليرى الجميع تلك المشاهد العاشورائية الاليمة، فينقلوها الى الناس ثم الى الاجيال كما وصلتنا نحن وكما ستصل الى الامم القادمة من البشرية، وليتحملوا ذلك العناء المرير فتعرف هذه الامة ان المتسلطين على رقابهم من بني امية قوم لم يُسلموا ابداً، بل لم تبرد قلوبهم الجاهلية من الحقد على الرسول والرسالة، فترقبوا حتى جاءت واقعة كربلاء فكشفت اقنعتهم وسقطت لتظهر تلك الوجوه الكالحة التي تقرأ في قسماتها نزعات الحمية، حمية الجاهلية الاولى، فيهجم القوم على آل الرسول قتلاً وتمثيلاً، وسلباً ونهباً، واسراً وسبياً، وكان من بين السبايا امرأة جليلة من بني ثقيف، تلك هي ليلى بنت ابي مرة عروة بن مسعود، الثقفية، زوجة الامام الحسين وام ولده علي الاكبر.

                  كانت ليلى الثقفية رضوان الله عليها امرأة عظيمة المنزلة، شاركت آل البيت احزانهم، اذ نالت من الايمان والحظوة عند الله تبارك وتعالى حتى وفقت لان تكون مع نساء أهل بيت النبوة، تعيش في ظلالهم، وتشاطرهم شؤون حياتهم فعرفت بالرشد والجلالة والسمو وعلو المكانة ورفعة الشرف، وكيف لا وقد اقترنت بسيد شباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه سبط المصطفى وثمرة فؤاد الصديقة الزهراء وحبيب المرتضى.

                  ثم كانت ليلى الثقفية وعاءً طاهراً وحجراً زاكياً لعلي الاكبر فلذة كبد الحسين، عكفت عليه تغذيه من طيبها وحنانها وحنوها حتى نشأ غلاماً يافعاً يدرج بين يدي ابيه وامامه الحسين سلام الله عليه يعاضده ويطيعه ويسلم له، حتى نال من ابيه دعوة مباركة اذ قال له جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده، ثم قرأ عليه السلام قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم).

                  عاشت ليلى الثقفية في اجواء بيت الرسالة، وهي صابرة محتسبة، تتحمل مع آل البيت ما وقع عليهم من الوان الاسى والظلم، حتى اذا اعد الامام الحسين صلوات الله عليه رحله الى ارض الشهادة في طف كربلاء، نضهت ليلى ام علي الاكبر هي الارض مع ولدها تجهز عدة السفر المرير الذي ستعيش فيه نكبات فقد الاحبة، ثم آلام السبى والاسر الممض.
                  فواصلت رحلتها تعضد زوجها بذلك الوفاء المخلص، وهي تراع امامها المطاع، تواكبه وتخضع بين يديه، وكم خفق قلبها في مواقف عصيبة، كان منها حين برز مهجة قلبها ولدها علي الاكبر الى ميدان القتال، وهو مرآة الجمال النبوي، اشبه الناس بجده المصطفى خلقاً وخلقاً ومنطقاً، حتى اذا اشتاق المشتاقون الى رسول الله نظروا الى وجه علي الاكبر، فلما اراد توديع اخواته وعماته تعلقن باذياله وهن يقلن له ارحم غربتنا يا علي، وامه ليلى حائرة تودعه بعينين مغرورقتين، ولا تكاد تستطيع ان تراه بين الاعداء، فتدخل الخيمة وتتضرع الى الله تعالى بالدعاء له، وتنظر في وجه الحسين لتقرأ في محياه المبارك علامات لعلها تفهم منها سلامة ولدها، فتراه لم يتمالك دون ان يرخي عينيه بالدموع، وتسمعه يدعو على قتلة ولده، وتشاهده يبكي على ظمأ حبيبه وليس لديه ما يسقيه.

                  واخيراً تراه يهرع الى ولده ينكب عليه واضعاً خده على خده وهو يقول له على الدنيا بعدك العفا، ثم لا يقوى على حمله، فيدعو فتيان بني هاشم الى نقله الى خيمته، وليلى تمنعها مهابة الحسين ان تصرخ، فتلوذ وراء الخيمة، حتى اذا فزعن بنات الوحي الى البدن المقطع المضرج الموزع، القت اليلى نفسها على ولدها علي الاكبر وغصت بالنحيب وقد احاطت بها العقيلة زينب ام كلثوم، وسكينة وفاطمة ابنتا الحسين اخوات علي، وجمع نساء آل البيت صارخات نادبات والحسين يقول لهن: ان البكاء امامكن!

                  تلك هي ليلى الثقفية، امرأة طاب منبتها، وقد استمدت كرامتها من ايمانها وولايتها وانتسابها للاسرة المحمدية الشريفة، وارتباطها بوشائج الامامة الحميمة، حتى انغمرت في آل البيت مخلصة وفية محبة صادقة، تتحمل معهم المصائب والنوائب، وتعيش معهم الفجائع والاحزان، فتفقد ولدها الطيب علياً الاكبر، ثم تفجع بزوجها سيد الشهداء، وتمضي في مسيرة السبي الاليم، لتقضي بعد ذلك عمراً في لواعج الحزن واشجاب ذكريات كربلاء.
                  افمثل هذه المرأة الكريمة تؤسر، وتساق في ركب السبا؟!

                  تعليق


                  • #10
                    أم سليمان وإسمها كبشة
                    فكيهة (ام الشهيد قارب)
                    حسنية من جواري الحسين عليه السلام
                    شهربانو زوجة الإمام الحسين عليه السلام

                    وحائرات ... اطار القوم اعينها**رعباً غداة عليها خدرها هجموا
                    فغودرت بين ايدي القوم حاسرة**تسبى وليس لها من فيه تعتصم
                    نعم لوت جيدها بالعتب هاتفة**بقومها وحشاها ملؤه ضرم

                    العرب حتى في العرف الجاهلي، كانوا يأبون ويستنكرون من اسر المرأة وضربها، فليس ذلك من المروءة ولا الرجولة ولا البطولة في شيء؛ لذا ترفعوا عن سبي النساء العاديات، فكيف بالنسبة الكريمات، ولا ندري بعد ذلك اين بنو امية من الاعراف القبلية، ثم اين هم من الاحكام الاسلامية، وقد سبوا حرائر الرسالة وكرائم العرب في كربلاء، لا دين يمنعهم عن ذلك ولا حياء ولا شهامة ولا اباء، ولا حتى عروبة ولا جاهلية.

                    وقد دعاهم الامام الحسين عليه السلام الى خلق انساني عرفته العرب قبل الاسلام، تنزلاً منه سلام الله عليه معهم، حين صاح بهم في ساحة كربلاء:

                    (يا شيعة آل ابي سفيان، ان لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا احراراً في دنياكم، وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون).

                    ان من بين السبايا نساء فاضلات، عرفن، بالجلالة والمنزلة الرفيعة في المجتمع، وقد رافقن الامام الحسين صلوات الله عليه في سفره الالهي المقدس الى طف الشهادة بكربلاء، بعد ان ناصرن امام زمانهن، وقدمن فلذات اكبادهن، واخترن الاسر مع العقيلة الكبرى زينب وعائلة سيد شباب اهل الجنة..

                    احداهن: كبشة ام سليمان، مولاة الامام الحسين، كانت رضوان الله عليها عالمة فاضلة من ربات البر والاحسان، اشتراها الامام الحسين عليه السلام بالف درهم وعاشت في بيت احدى زوجاته، وهي ام اسحاق بنت طلحة التميمية، وقد تزوج كبشة هذه ابو رزين فولدت منه سليمان الذي قدمته بين يدي سيده وامامه ومولاه الحسين مجاهداً ثم شهيداً، وقد خصه الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بسلام خاص في زيارته لشهداء كربلاء فقال:

                    السلام على سليمان، مولى الحسين بن امير المؤمنين، ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي.

                    وسليمان هذا هو الذي ارسله الامام الحسين صلوات الله عليه بكتب الى رؤساء الاخماس والاشراف بالبصرة حيث كان عليه السلام ما يزال في مكة قبل انطلاقه الى كربلاء.. هكذا ذكر ارباب السير والمقاتل، فجاء سليمان بالكتاب بنسخة واحدة الى جميع اشراف البصرة، وقيل بان منذر بن الجارود قدمه الى عبيد الله بن زياد حينما كان والياً على البصرة، فامر بضرب عنقه، اما امه كبشة فقد قدمت مع الامام الحسين عليه السلام الى كربلاء، وشاهدت كل ما جرى على آل الرسول من مصائب ورزايا،
                    وصبرت واحتسبت وانضمت الى ركب السبا من آل محمد صلوات الله عليه وآله.

                    واما المرأة الاخرى فهي فكيهة زوجة عبد الله بن اريقط، كانت محبة لاهل بيت الوحي والرسالة، فخدمت زوجة الامام الحسين الرباب، وقد ولدت من زوجها عبد الله غلاماً طيباً يدعى قارب، دفعته امه فكيهة لان يقاتل بين يدي امام زمانه الحسين بن علي، فتقدم مبارزاً حتى نال شرف الشهادة في ارض كربلاء، ثم نال الشرف الاخر حين زاره الامام الحجة المهدي ارواحنا فداه قائلاً:

                    (السلام على قارب مولى الحسين بن علي).


                    قال اصحاب المقاتل: خرج قارب بن عبد الله الدؤلي مع الحسين من المدينة الى مكة ثم الى كربلاء، واستشهد في الحملة الاولى قبيل ظهيرة عاشوراء بساعة.

                    اما امه فكيهة رضوان الله عليها، فقد انضمت الى ركب الاسارى الذين بعثهم ابن زياد الى الشام، حيث واست هذه المرأة النجيبة عيال الحسين بما جرى عليهم من الاذى والضيم.

                    وتلك جارية نبيلة من جواري سيد الشهداء، تدعى حسنية، هي والدة منجح بن سهم، وكان الامام الحسين عليه السلام قد اشتراها من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ثم زوجها من سهم فولدت منه غلاماً شهماً هو منجح جاءت به امه الكريمة المؤمنة الى واقعة الطف بكربلاء، وشهدت معه تلك المشاهد المهولة، فدعته الى نصرة امامه ابي عبد الله الحسين، فلبى لا يأمل الا الشرف الرفيع حتى ناله.

                    قال اصحاب المقاتل: خرج منجح بن سهم من المدينة مع ولد الامام الحسن في صحبة الامام الحسين عليهما السلام، ولما تبارز الفريقان في كربلاء، قاتل منجح قتال الابرار، فعطف عليه حسان بن بكر الحنظلي فقتله، وذلك في اوائل المعركة يوم عاشوراء..
                    فكلله الامام المهدي المنتظر صلوات الله عليه بزيارته قائلاً:

                    (السلام على منجح مولى الحسين بن علي، السلام عليكم يا خير انصار، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، بؤأكم الله مبوأ الابرار).

                    اما ام منجح حسنية، وهي المفجوعة بولدها، ثم بامامها، فقد طوت حياتها على الحزن بعد ان شهدت تلك المصائب والمحن العظمى، وواست آل المصطفى.
                    فيما نزل بهم من البلاء العظيم، حيث كانت في السبايا الى الكوفة ثم الشام، حتى عادت مع الركب الحسيني الشريف الى المدينة، فعاشت في بيت الامام زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه.

                    ومن بلاد فارس كما كان سلمان من اهل البيت كانت شهربانو زوجة للامام الحسين عليه السلام، حضرت معه ارض كربلاء، وعاشت محنته الكبرى مع عيالاته المفجوعة، وكان لها طفل فر من الخيمة حائراً خائفاً مرتعشاً، ينظر يميناً وشمالاً، فحمل عليه هاني بن ثبيت فضربه، فقتله بين يدي الحسين، وهناك عند باب الخيمة امه شهربانو وقفت مدهوشة لا تدري ماذا تفعل، فعاشت فجيعته، وضمت صراخها الى صراخ اسرة آل الرسول،
                    ثم انضمت الى ركب السبا في سفره المرير.

                    تعليق


                    • #11
                      السلام عليك ياابا عبد الله الحسين وعلى ناصريك ..لعن الله قاتليك ومن هتك حُرمتك ..

                      اللهم صل على محمد وآل محمد
                      السلام عليكم ورحمة الله


                      آجركم الله .. وبارككم بحق الحُسين وأهل بيتهِ صلوات الله عليهم ..

                      تعليق


                      • #12
                        اللهم صل على محمد وآل محمد

                        كان لي الشرف لمروركم

                        وفقكم الله تعالى

                        وعظم الله تعالى اجوركم

                        تعليق


                        • #13
                          السيدة سكينة بنت الحسين عليه السلام
                          الرباب ام الرضيع عليه السلام

                          أأخي ما لك عن بناتك معرضاً**والكل منك بمنظر وبمسمع
                          أأخي ما عودتني منك الجفا**فعلى م تجفوني وتجفو من معي
                          فأجابها من فوق شاهقة القنا**قضي القضاء بما جرى، فاسترجعي
                          وتكفلي حال اليتامى وانظري**ما كنت اصنع في حماهم فاصنعي

                          ان واقعة كربلاء كانت امتحاناً عظيماً امتاز فيه الناس، حتى افرز فيهم المرتدون والمنافقون والمستسلمون الذين لم يدخل الايمان في قلوبهم قط، وبقوا على نعراتهم الجاهلية، فظهرت يوم عاشوراء، وكان من صورها العجيبة سبي بنات الرسالة، ومنهن سكينة بنت الامام الحسين بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب، جدها الاعلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وعمها الامام الحسن المجتبى وعمتها زينب عقيلة آل ابي طالب، واخوتها الامام زين العابدين، وعلي الاكبر وعلي الاصغر عبد الله الرضيع شهيدا كربلاء صلوات الله عليهم اجمعين.

                          كانت من بعد عمتها سيدة نساء عصرها، عقيلة قريش، ذات عقل ورأي وسيرة مثلى، وقد وصفها ابوها الامام الحسين بان الغالب عليها الاستغراق مع الله تبارك وتعالى، وقد احبها سلام الله عليه حباً خاصاً كما اعتز بامها الرباب القضاعية رضوان الله عليها، حتى نسب اليه قوله:

                          لعمرك انني لأحب داراً**تحل بها سكينة والرباب
                          احبهما... وابذل جل مالي**وليس للائمي فيها عتاب
                          ولست لهم وان عتبوا مطيعاً**حياتي، او يعليني التراب

                          رافقت سكينة سلام الله عليها اباها وامامها الحسين صلوات الله عليه في رحلته الاستشهادية الى كربلاء، لتعيش هناك فجائع الطف وواقعة عاشوراء المذهلة، وهي تنظر الى اخوتها واعمامها وبني عمومتها واصحاب ابيها الاوفياء، يقتلون ويقطعون، فتعيش مع اهل بيتها تلك الاحزان والفجائع المريرة.. ومنها ان تستقبل اخاها عبد الله الرضيع ذبيحاً من الوريد الى الوريد بسهم حرملة، ولم يكن له من العمر الا ستة اشهر، فتذهل حين تراه على تلك الحالة. فاذا سمعت اباها عند باب الخيمة مودعاً: يا سكينة، يا فاطمة، يا ام كلثوم، يا رقية يا عاتكة يا صفية، عليكن مني السلام، يرتفع منها النحيب والبكاء مع كرائم الوحي، فيضمها ابوها الحسين الى صدره الشريف ويقبلها، ويمسح دموع عينيها بكمه ويقول لها:

                          سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي**منك البكاء اذا الحمام دهاني
                          لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة**ما كان مني الروح في جثماني
                          فاذا قتلت فانت اولى بالذي**تأتينه ياخيرة النسوان

                          ثم كانت الدهشة بعد المصرع الفجيع، اذ يقبل الجواد الى الخيام محمحماً، فتخرج سكينة من خيمتها وسط غبرة عاصفة فتصرخ واقتيلاه! واحسيناه واغربتاه واكربتاه فيخرج باقي الحرم يلطمن ويصحن وامحمداه.

                          ويكون الاسر والسبي، وتبدأ الرحلة الكئيبة ابتداء من المرور على ارض المعركة، فترى سكينة جسد ابيها في تلك الهيئة التي لا توصف على صعيد كربلاء، فلا تملك نفسها الا ان تهوي عليه تتزود من توديعه في غصص محتضرة، ثم لا تنحى الا بالقهر والسياط اللئيمة. فاذا انتهت رحلة السبا الى المدينة صاحت سكينة: يا جداه اليك المشتكى مما جرى علينا ثم دخلت دار ابيها الموحشة لتقيم فيها عزاءها المديد مع نساء آل بيتها وهن متسربلات بسواد الحزن وذكريات النائبة العظمى.

                          تلك سكينة ابنة سيد شباب اهل الجنة كانت في ركب السبا، وكانت امها معها في تلك الرحلة الاليمة، وامها هي الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي، القضاعية الكلبية، اقترنت بالامام الحسين امرأة مخلصة، وكانت كما وصفها ابو الفرج الاصفهاني من خيار النساء وافضلهن، كما كانت ذات عقل وادب رفيعين، فاعتز بها الامام الحسين واعتزت به، حتى نهضت معه الى ارض النكبات في كربلاء، لتعيش مع آل البيت مصائبهم العظمى، ولتقدم طفلها الرضيع عبد الله بقماطه وهو ابن ستة اشهر الى ابيه عله يسقى ماء وقد تلظى قلبه ظمأً فأخذ يحرك شفتيه يطلب بهما قطرات تنقذه من الموت، فاذا بسهم حرملة يذبحه من الوريد الى الوريد، فتراه امه الرباب.
                          فتذهل لما ترى ولا تكاد تصدق عينيها، وتضمه الى صدره تقنع نفسها انه سيرتضع شيئاً يفيق به، وقد احاط بها نسوة آل البيت باكيات نادبات، واجتمعن حولها حلقة وقد ارتفعت اصواتهن بالعويل.

                          لهفي على ام الرضيع وقد دجا**عليها الدجى، والروح نادت حمائمه
                          فمذ لاح سهم النحر ودت لو انها**تشاطره سهم الردى وتساهمه
                          اقلته بالكفين ترشف ثغره**وتلثم نحراً قبلها السهم لاثمه
                          بني افق من سكرة الموت وارتضع**رويداً ... لعل القلب يهدأ هائمه
                          بني لقد كنت الانيس لوحشتي**وسلواي اذ يسطو من الهم غاشمه

                          وبعد الفاجعة العظمى بشهادة الامام الحسين صلوات الله عليه، وجدت الرباب عليه وجداً شديداً، حتى روي انها اقامت على قبره سنة كاملة، وقيل انها اخذت الرأس الشريف، ووضعته في حجرها وقبلته، وخاطبته بقولها:

                          واحسينا ... فلا نسيت حسيناً**اقصدته اسنة الاعداء
                          غادروه بكربلاء صريعاً**لا سقى الله جانبي كربلاء

                          وكانت قد واصلت مع حرم آل البيت مسيرة السبي، وهي في حزن عميق دائم جفت معه دموعها من كثرة البكاء، فاعلمتها بعض النسوة ان السويق يسيل الدمعة، فدعت ان يصنع لها السويق لاستدرار الدموع.. وكان من رثائه لابي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام قولها فيه:

                          ان الذي كان نوراً يستضاء به**بكربلاء قتيل غير مدفون
                          قد كنت لي جبلاً صعباً الوذ به**وكنت تصحبنا بالرحم والدين
                          من لليتامى ومن للسائلين ومن**يغني، ويأوي اليه كل مسكين؟!
                          والله لا ابتغي صهراً بصهركم**حتى اغيب بين الرمل والطين

                          تعليق


                          • #14
                            السلام على النسا المسبيات

                            عظم الله لك الاجر يامولاي ياصاحب الزمان



                            آجركم الله وجوزيتم خيرا على هذا المجهود

                            جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع

                            تعليق


                            • #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة نور المشعل
                              السلام على النسا المسبيات
                              عظم الله لك الاجر يامولاي ياصاحب الزمان


                              آجركم الله وجوزيتم خيرا على هذا المجهود
                              جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع
                              عظم الله تعالى اجوركم وجزاكم الله خير الجزاء اخوكم مظلومة يا زهراء

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X